رسالة من أُمِّي : إلى السيدة عواطف ومن معها.
بقلم الدكتور. أحمد ذياب – عضو المجمع المشارك.
تتغنج وتتمايل وتحاول الوصول إلى لغة بعض الأطباء وصاحب الرسالة الأنثروبولوجية ـ ولا أراها شخصيا كذلك ـ والذين تهتم مقدمة البرنامج بدعوتهم وتعيد دعوتهم كأنما كانت رسالتهم تتوجّه للمثقفين ـ المثقفين فقط ـ والحال أن البرامج الصحية هذه، يا سيدة عواطف، لا تتوجّه إلاّ لعامة الشعب. فالمثقفون والعالمون يعلمون أكثر منك.
وحين سمعتك مساء الجمعة في الثاني من أفريل، ولم أكن أرغب حقا في الاستماع إليك بالقدر الذي كنت أرغب في التعرّف على أرقام الإصابات بفيروس الكورونا والوفيات، إذ لا يتجاوز اهتمامي ببرنامجك أكثر من ذلك، حين سمعتك، أعدتِ إلى ذاكرتي يوم سلّمك مدير التلفزة الوطنية معجما فرنسيا عربيا حتى تجدي فيه ما يعسر عليك من لغة طبية.
ودعيني أشرح لك لماذا يستفزني خطابك، وأعلم جيدا أن الرسالة هذه لن تصلك لكني أتوجّه بها إلى إدارة تشغّلك وتدفع لك مقابلا ماليا مقتطع من ضرائب هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره. الأسباب عديدة ومنها أنّنا أولا لا نجد في لغتك ما يفي بحاجة الشعب. فكلما كانت والدتي ذات المائة سنة ذات المدارك العقلية الخارقة للعادة، والتي تفهم كلّ شيء وتعجز عن فهم الحشو الفرنسي الركيك والذي يدّعي من يشبهك فكرا وغنجا أنّه من باب هذه اللغة التونسية المفروضة علينا من وراء البحار، كما لو كانت العربية قاصرة أو كانت الدارجة التونسية السليمة من هذه المصطلحات الفرنسية غير قادرة، على تبليغ رسالة مبسطة أنت مسؤولة عنها، كلما لم تفهمك والدتي فإنّ برنامجك لا يصل إلى مدارك المواطن التونسي… هذا هو محراري… هذا هو مقياسي على الدوام، ولن أغيّره.
وأنت مسؤولة كذلك عما نطق به ذاك الذي ادعى اختصاصا في الأنثروبولوجيا والحال أنّه لو قطّعنا كلمة أنثروبولوجيا لوجدنا أنها علم البشريات وعلم الإناسة وعلم البشر هذا يهتم أولا وأساسا بالبشر. والبشر في تونس، يا حضرة الأستاذ أو الكرونيكور (؟)، هم في أغلبيتهم تونسيون بحاجة إلى ما يلي:
أولا أن يُنطق إليهم بلغة يفهمها كل من هبّ ودبّ في هذه الأرض التونسية.. وهم تونسيون لا يفهمون ما أنت تنطق به شكلا ومضمونا.
ثانيا: هم بحاجة إلى من يشجّعهم على التلقيح بكلّ مسؤولية، ويأخذ بيدهم، وليسوا بحاجة لمن يهزمهم ويخيفهم ويبعث فيهم كل عناصر الرعب خاصة إذا ما كانوا شبانا.
ثالثا: نحن بحاجة لأطباء مثل الزميل الفاضل الدكتور الدوعاجي، صاحب الحجة الواضحة والدقيقة.. نحن بحاجة إلى رسالته ولسنا بحاجة إلى من يضرب مجهود وزارة الصحة ومجهود فرق التلقيح ومجهود الهيئة العلمية ومجهود هذا الشعب الكريم الذي ابتلي ببرنامج مثل هذا. ونحمد الله أن لم تفهمك والدتي، أطال الله في عمرها.
زميلي:
أنا مثلك مختص في الأنثروبولوجيا وأستاذ في الطب، ولا رأيتك صاحب نظرة إيجابية تدفع بالتونسيين إلى قبول اللقاح.. إذن اترك إلى الأطباء التنبيه من بعض الموانع للتلقيح وعن أخذ بعض الاحتياطات في بعض الحالات، وليس لك أن تلبس ميدعة الطبيب وترهب الناس.. كفانا إرهاب الفكر المتطرف وإرهاب الحالة الاقتصادية المتردية وإرهاب الإعلام التآمريّ، لتضيف إلينا رعبا آخر وإرهابا آخر وهو التخويف من التلقيح..
يا أهل إدارة التلفزة التونسية:
اتركوا هذه التلفزة إلى من يخاطب الناس بما يفهمون، وإلى من يرفع معنوياتهم في هذا الزمن الرديء، وإلى من يدفع الناس إلى الإقبال على التلقيح. فلا وجود لحلّ آخر بين أيدي الأطباء بعد أن قاموا بمعجزة تصنيع اللقاح في أقل من عام مستعينين في ذلك بما قدّمه الذكاء الاصطناعي. لا وجود لحلّ إذا ما رغبنا في العودة إلى سالف أعمالنا وسالف نشاطنا.
وصحيح أنّ لنا من بين من يشرف على أمرنا السياسيّ من ينطق مثل السيدة عواطف وبعض من معها، بما لا يفهم الشعب كليا.. لكنّ حال السياسي هي هذه: يهرب من الواقع الصادم والحقيقة المرة باستعمال ألفاظ فرنسية يعجز عن فهمها المواطن الذي هو ليس بالغبي، فيفهم هذا الأخير من مراوغة السياسيّ تحيّلا واضحا في وضح النهار ينفّره من السياسة والسياسيين ومقدمة البرنامج والأنثروبولوجيين، بل والناس أجمعين…
وهذا لا يمكنه أن يكون رسالة البرامج الصحية البيداغوجية…. اسألوا منظمة الصحة العالمية وسوف تجدون أن الرسالة الملحّة والأساسية لهذه المنظمة هي إيصال المادة الصحية وشرحها بلغة المتلقي بالضرورة..
ذاك ما تعلّمته طيلة عشرين سنة عملت فيها مع هذه المنظمة..